ثقافة حقوقية

ثقافة حقوقية

نزار عبدالقادر
نظام الجبهة الإسلامية القومية في السودان والمحكمة الجنائية الدولية (4)
توقفنا في الحلقة السابقة بإنتهاء لجنة التحقيق الدولية من أعمالها وبالتوصية الواضحة والصريحة التي رفعتها للأمين العام للأمم المتحدة بضرورة أن يحيل مجلس الأمن الحالة في دارفور للمحكمة الجنائية الدولية.
بتاريخ 31 يناير 2005م بعث الأمين العام للأمم المتحدة تقرير لجنة التحقيق الدولية الخاصة بدارفور لرئيس مجلس الأمن.
24 مارس 2005م، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1590 /2005م ، الذي عبر فيه عن بالغ قلقه إزاء الأوضاع السيئة للسكان المدنيين في دارفور، كما أعرب عن تصميمه على كفالة تحديد المسؤولين عن جميع الإنتهاكات التي تشهدها دارفور وتقديمهم للعدالة دون تأخير.
31 مارس 2005م، وتحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أصدر مجلس الأمن القرار 1593 /2005م أحال بموجبه الإنتهاكات الخاصة بحقوق الإنسان في دارفور إلي المدعي العام بالمحكمة الجنائية لويس مورينو أوكامبو ، مطالبا الحكومة السودانية وجميع أطراف النزاع بضرورة التعاون الكامل مع المحكمة والمدعي العام وأن تقدم إليهما كل ما يلزم من مساعدة.
قرار مجلس الأمن أعتمد بنتيجة 11 دولة أيدت القرار وهي: الأرجنتين، بنين، الدنمارك، اليونان، اليابان، الفلبين، رومانيا، تنزانيا.
الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، الجزائر والبرازيل إمتنعوا عن التصويت.
ولم تستخدم أي دولة من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن حق النقض (الفيتو) لصالح الحكومة السودانية.
سؤال: هل لمجلس الأمن الحق في إحالة قضية دارفور للمحكمة الجنائية علي الرغم من أن السودان وقع فقط ولم ينضم للمحكمة؟
الجواب: نص المادة 13 من نظام روما الأساسي والمتعلقة بممارسة الإختصاص والذي شاركت الحكومة السودانية في صياغته كما أشرنا في الحلقة الأولي نصت علي الآتي:
للمحكمة أن تمارس إختصاصها في الأحوال التالية:
(أ‌) إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام وفقا للمادة 14 حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد أرتكبت؛
(ب) إذا أحال مجلس الأمن، متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت؛
(ج) إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة من هذه الجرائم وفقا للمادة 15.
السؤال الثاني: هل هنالك سند قانوني آخر خلاف نص المادة 13 (ب) من نظام روما الأساسي إستند عليه مجلس الأمن في قرار الإحالة؟
الإجابة: نعم ، إن قرار الإحالة تم بناءا على إستيفاء شرطين أساسيين هما: المعلومات الموثقة لدى مجلس الأمن بإنهيار النظام القضائي السوداني، إلي جانب فشله في القيام بإلتزاماته القانونية بالتحقيق ومحاكمة الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ومعاقبة الذين أدينوا.

السؤال الثالث لماذا تمت الإحالة للمحكمة الجنائية، خاصة وأن دورها في الأصل مكمل وليس بديلا للقضاء الوطني؟
الجواب: التشريعات الجنائية السودانية غير متلائمة ومتوائمة مع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حيث لا تحظر بصورة كافية الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب حسب ما عرفهم نظام روما الأساسي للمحكمة.
على سبيل المثال قانون الإجراءات الجنائية لعام 1991 يضم أحكاما تمنع المقاضاة على بعض الأعمال كما يمنح القانون سلطات واسعة للسلطة التنفيذية ويمنح كذلك حصانة من المقاضاة للعديد من موظفي الدولة.
وحتى تتضح الصورة أكثر نأخذ قانون الأمن الوطني لعام 1999م:
حيث تمنح المادة 33 فيه حصانات واسعة لأعضاء جهاز الأمن والمخابرات والمتعاونين معهم. ولا يُرغم أحد منهم على إعطاء معلومات عن الأنشطة التي اطلعوا عليها خلال عملهم. وباستثناء موافقة المدير (مدير جهاز الأمن الوطني)، لا يمكن إقامة دعوى مدنية أو جنائية ضد أي منهم عن أية أعمال إرتكبوها ولها صلة بعملهم، والمدير وحده هو الذي يملك الموافقة على ذلك إذا كان هذا العمل لا يرتبط بمهامهم.
بالإضافة إلي كل ذلك فإن تقرير لجنة التحقيق الدولية جاء فيه “نظرا لمسألة الإفلات من العقاب التي تسود دارفور اليوم، فقد أظهر النظام القضائي أنه يفتقر إلى هياكل وسلطة ومصداقية وإرادة كافية للمقاضاة بشكل فعال وإنزال العقاب بالجناة الذين ارتكبوا الجرائم التي يدعى أنها لا تزال ترتكب في دارفور”.
نواصل

Comments: 2

Leave a comment