جنوب السودان: العنف الجنسي الوحشي لا يزال مستمراً

جنوب السودان: العنف الجنسي الوحشي لا يزال مستمراً

أكد تقرير للأمم المتحدة صدر يوم الجمعة استمرار تسجيل نسب مرتفعة من العنف الجنسي في ولاية الوحدة الشمالية في جنوب السودان، مع اغتصاب ما لا يقل عن 134 امرأة وفتاة ومعاناة 41 أخريات أشكالاً مختلفة من العنف على الصعيدين الجنسي والجسدي بين أيلول/ سبتمبر وكانون الأول/ ديسمبر 2018 فحسب.

ومن بين الناجيات، بعض الفتيات اللواتي لا يتجاوز عمرهن ثماني سنوات. ومن المرجح أن النسبة الحقيقية المسجلة من العنف الجنسي هي أعلى بكثير من أرقام الحالات الموثقة.

وبالرغم من أن الهجمات قد تراجعت بشكل ملحوظ ضد المدنيين منذ توقيع اتفاق السلام في 12 أيلول/ سبتمبر 2018، إلا أن التقرير الذي أعدَّته مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان يحذِّر من أن العنف الجنسي المرتبط بالنزاع المستوطن لا يزال سائداً في ولاية الوحدة الشمالية. ويؤكد التقرير أنه تمَّ ارتكاب العنف الجنسي في سياق “تفشي الإفلات من العقاب، الذي ساهم في تطبيع العنف ضد النساء والفتيات”.

وتعرَّض حوالى 90 بالمئة من النساء والفتيات للاغتصاب من قبل أكثر من مرتكب واحد وغالباً على مدى ساعات عدة. كما وقعت النساء الحوامل والأمهات المرضعات ضحايا للعنف الجنسي. وفي حادثة واحدة منفردة حصلت يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر في قرية لانغ في مقاطعة كوش، تعرَّضت خمس نساء للاغتصاب الجماعي، من بينهن أربع نساء حوامل، بما في ذلك امرأة كان قد مضى على حملها حوالى تسعة أشهر.

ووصفت الناجيات من العنف الجنسي كيفية تعرضهن للضرب بوحشية على يد الجناة بواسطة أعقاب البنادق والعصي والأسلحة النارية الخفيفة وأسلاك الكابلات، إذا ما حاولن مقاومة من هاجمهن أو بعد اغتصابهن. ويبدو أن انعدام الرحمة لدى المهاجمين شكَّل ميزة ملائمة للعنف الجنسي الموثق، وفق التقرير، الذي يشير أيضاً إلى أنه كان لدى الجناة نوع من التعمد في ما أقدموا عليه. وروت إحدى الناجيات كيف تعرَّضت للاغتصاب مع رفيقاتها في ثلاث مناسبات منفصلة. ومع كل اعتداء، زاد عدد المهاجمين بشكل ملحوظ.

وأفادت التقارير أن معظم الهجمات نفذتها جماعات ميليشيا من الشباب وعناصر من الجيش الشعبي لتحرير السودان المعارض الموالي للزعيم تابان دينغ وقوات الدفاع الشعبية لجنوب السودان. وفي بعض الحالات، تمَّ ارتكاب الهجمات من قبل عناصر من الجيش الشعبي لتحرير السودان المعارض الموالي للزعيم رياك مشار.

وبيَّن التحقيق أن عدة عوامل ساهمت في تصاعد العنف الجنسي في المنطقة، بما في ذلك توافر أعداد كبيرة من المقاتلين في وضعية “الاحتياط”، بانتظار تنفيذ الترتيبات الأمنية بموجب اتفاق السلام؛ ووجود عدة ميليشيات مسلحة من الشباب؛ وغياب المساءلة عن أعمال العنف الجنسي المرتكبة في الماضي على مستويي الأفراد والقيادات.

وبالنظر إلى تدمير سبل العيش والتهجير القسري وانعدام الأمن الغذائي بعد سنوات من الحرب الأهلية، يؤكد التقرير أن على العديد من النساء والفتيات قطع مسافات طويلة عبر مناطق عالية المخاطر بحثاً عن الغذاء والمياه والحطب. ويلفت التقرير إلى انتشار شعور بالاستسلام بين الناجيات والرضوخ لفكرة أنّه من الطبيعيّ جدًا لهنّ أن يتعرضن لخطر العنف الجنسيّ.

وقالت إحدى الناجيات من مقاطعة كوتش والبالغة من العمر 30 عاماً “نحن النساء لا نملك خياراً”. وأضافت “لا بديل لدينا. إذا سلكنا الطريق الرئيسي، تعرَّضنا للاغتصاب. وإذا سلكنا الأدغال، تعرَّضنا للاغتصاب. لقد اغتُصبت من بين أخريات في المنطقة ذاتها مراراً وتكراراً في ثلاث مناسبات مختلفة. وتجنَّبنا سلوك الطريق لأننا سمعنا روايات مروعة تفيد بأن النساء والفتيات تعرَّضن للاختطاف عند المرور عبرها، لكن الأمر نفسه حصل معنا. لا مفر لنا، فنحن كلنا عرضة للاغتصاب”.

وقالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت “إن عدم استقرار الأوضاع في جنوب السودان إلى جانب غياب المساءلة عن الانتهاكات والتجاوزات المرتكبة في مختلف أنحاء ولاية الوحدة يؤدي بالجهات المسلحة على الأرجح إلى الاعتقاد أنه بإمكانها الإفلات من الاغتصاب وغيره من الأشكال المروعة للعنف الجنسي”.

وأضافت “للأسف، لا نزال نتلقى تقارير عن حدوث عمليات من الاغتصاب والاغتصاب الجماعي في ولاية الوحدة الشمالية منذ بداية هذا العام”. وشدَّدت المفوضة السامية قائلة: “أحث حكومة جنوب السودان على اتخاذ الإجراءات المناسبة، بما في ذلك تلك المنصوص عليها في اتفاق السلام، بهدف حماية النساء والفتيات، وعلى إجراء تحقيق عاجل وشامل بشأن كل المزاعم المتعلقة بالعنف الجنسي وعلى تقديم الجناة إلى المساءلة من خلال إقامة محاكمات عادلة”.

كما دعت المفوضة السامية السلطات إلى ضمان تمكُّن المنظمات المعنية بالمساعدات الإنسانية من القيام بعملها من دون الشعور بالخوف من حدوث أعمال انتقامية ومع تأمين إمكانية الوصول إلى الضحايا من دون عوائق.

وبناءً على تلقي تقارير أولية عن زيادة في عدد حالات الإبلاغ المتعلقة بالعنف الجنسي، تعاونت بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان مع القادة السياسيين والأجهزة الأمنية. كما زادت البعثة دوريات حفظ السلام ونظَّفت أوراق الأشجار والنبات من الطرقات كي تصعِّب على المهاجمين إخفاء وجودهم هناك. وتشغِّل البعثة محكمة متنقلة في النقاط الساخنة، مثل بانتيو وملكال، للمساعدة في التصدي لمسألة الإفلات من العقاب، وهي تعتزم العمل مع السلطات القضائية المحلية لدعم قيام محاكم متنقلة مماثلة لملاحقة الجرائم على نطاق أوسع في مختلف أنحاء البلاد.

Leave a comment