(تضجّ قصّتي بالصدمات والألم والاكتئاب. وعلى الرغم من ذلك، تملؤها أيضًا السعادة والنجاحات)
عندما كانت راشنا كوماري في الـ24 من عمرها، تم تشخيصها بمرض الجزم، أكثر الأمراض المصحوبة بوصمة العار في العالم، والمعروف أيضًا بداء هانسن.
كما أخذت حياتها منعطفًا قاسيًا آخر عندما توفي زوجها بُعَيْد تشخيصها بالمرض. فنبذتها أسرتها وأُجبِرَت على العيش بمعزلٍ عن أقاربها ومجتمعها.
وخوفًا من أن تنقل المرض إلى طفليها، تركتهما مع والديها وراحت تبحث عن عمل في مدينة أكبر.
وبعد مرور ثماني سنوات، تعافت راشنا أخيرًا من الجزام. ولكنّ معركتها مع المرض طبعتها الآلام على المستويَيْن العاطفيّ والجسديّ، تمامًا كما هي حال آلاف المصابين الآخرين.
راشنا من الهند حيث عدد الإصابات هو الأعلى في العالم. ففي العام 2017، تم الإبلاغ عن حوالى 126,000 حالة جديدة في البلاد.
وأكّدت قائلة: “لقد عانيت الإقصاء الاجتماعيّ ووصمة العار والتمييز. كان الأمر مروعًا. فأصبت بالاكتئاب وفقدت إرادة الحياة.”
والجذام مرض مزمن يصيب الجلد والأعصاب المحيطيّة والغشاء المخاطيّ في الجهاز التنفسيّ العلويّ والعينين. وينتقل عن طريق قطيرات من الأنف والفم عبر الاتّصال الوثيق والمتكرر مع حالات لم تتمّ معالجتها. ويمكن أن تتجلّى الأعراض في غضون سنة من الإصابة، أو قد تستغرق 20 عامًا أو أكثر لتظهر. ويتمتّع معظم الناس بالمناعة الطبيعيّة ضدّ هذا المرض.
يقدّر عدد المرضى المشخّصين بالجذام سنويًّا حول العالم بحوالى 200,000 شخص. وتبرز غالبيّة الإصابات في الهند والبرازيل وإندونيسيا.
الجذام: تاريخ من الوصم بالعار وتجريد من الإنسانية وانتهاكات لحقوق الإنسان
عندما تم اكتشاف الجذام لأول مرّة في أواخر القرن التاسع عشر، أدى الخوف من انتشار المرض إلى بناء العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم مستعمراتٍ خاصة بمرضى الجذام. حتّى أنّ العديد من الحكومات اعتمد رسميًّا سياسة الفصل. ففصل الأفراد عن أسرهم ومجتمعاتهم مدى الحياة، وحتى الأطفال حديثي الولادة الأصحاء عن والديهم.
وعلى الرغم من أن الخبراء تخلّوا عن سياسة الفصل الإجباريّ في العام 1948، إلا أنّ بعض البلدان استمرّ في تطبيقها حتّى نهاية التسعينات من القرن الماضي. ولا تزال حوالى 2000 مستعمرة وقرية قائمة حول العالم حتّى يومنا هذا.
لم ينجح المرض، منذ لحظة انتشاره، من الإفلات من شبكة من الوصم والقوالب النمطيّة المتفشّية.
وقد ذكر تقرير رفعته خبيرة الأمم المتّحدة المعنيّة بالجذام أليس كروز أمام مجلس حقوق الإنسان الشهر الماضي، أنّ “القوالب النمطيّة الضارة وغير الصحيحة والأخطاء الهيكليّة تعزّز الإقصاء والتمييز والعنف… وتهدد التمتّع بالحقوق الأساسيّة، مثل الكرامة والمساواة وعدم التمييز.”
النساء أكثر عرضة للتمييز
وجد التقرير أنّ النساء أكثر عرضة لخطر العنف والتمييز والإعاقة والعاهة الجسديّة التي يسبّبها الجذام. ففي الكثير من البلدان حيث يتفشّى المرض، تعيش المرأة وضعًا اجتماعيًّا متدنيًّا، فتشعر بالعار وتحاول إخفاء المرض. كما أنّها غالبًا ما تحتاج إلى إذن من زوجها أو أسرتها التي تكون قد نبذتها أصلاً، للوصول إلى الرعاية الصحيّة. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون أميّة أو قدرتها على السفر محدودة.
النضال من أجل الكرامة والإنسانية
أعلنت كروز قائلة: “كان ولا يزال الملايين من الأفراد المصابين بالجذام محرومين لا من كرامتهم فحسب، بل أيضًا من الاعتراف بإنسانيتهم. وليس من قبيل الصدفة أن يقال عادة أنّ الأشخاص المصابين بالجذام يتعرضون لموت مدنيّ”.
ورفعت كروز عددًا من التوصيات في تقريرها، حثّت فيها الدول على إلغاء جميع القوانين التمييزيّة السارية فورًا و/ أو تعديلها، واتّخاذ تدابير الجبر والتعويض بحقّ الأشخاص المصابين بالجذام والأطفال الذين انفصلوا قسرًا عن والديهم. كما توصي بتكثيف التوعية من خلال نشر معلومات دقيقة عن مرض الجذام وحقوق الإنسان للأشخاص المصابين به.
كما حثّث كروز في تقريرها على شمل النساء المصابات بالجذام في الخطط الوطنيّة الخاصة بالمساواة بين الجنسين وبمنع العنف ضد المرأة وبوصولها إلى العدالة.
نقلا عن الأمم المتحدة